-A +A
جواد أحمد بوخمسين
بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ومعه ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، تمضي المملكة العربية السعودية الشقيقة بخطى ثابتة، وبإرادة صادقة وبعزم لا يلين نحو المستقبل المشرق الواعد، مستندة إلى تاريخ عريق، وماضٍ مجيد، حققت فيه الشقيقة الكبرى نجاحات متعددة في مختلف المجالات حتى غدت قاطرة المنطقة والأمة العربية التي تسير بها نحو التطوير والتحديث من جهة، وصوب السلم والسلام والأمن والاستقرار من جهة أخرى.

وإذا تركنا جانباً ما تحققه المملكة العربية السعودية الشقيقة على الصعيد الداخلي من قفزات هائلة نحو الحداثة المشرَّبة بعطر الأصالة، وبشذى القيم الإسلامية النبيلة، فسوف نجد أن لها اليد الطولى، والحظ الأوفر من التأثير الخارجي الذي يستهدف تخليص المنطقة من مشكلاتها وأزماتها وإنهاء النزاعات البينية، التي استهلكت الكثير من جهودها البشرية، ومواردها الاقتصادية، وعطَّلت بشكل واضح خطط التنمية والبناء، إضافة إلى إثارة الضغائن والأحقاد بين الشعوب المتجاورة التي من المفترض أن توحِّدها المصالح المشتركة، وتجمع شملها العروبة والقومية ويؤلف بين صفوفها الدين الإسلامي الحنيف.


لقد أصبحت المملكة العربية السعودية في عيون المراقبين والمتابعين كافة صانعة السلام، وأيقونة الوئام، الداعية إلى إنهاء الخلافات والقضاء على النزاعات، ثم الالتفات إلى المصالح المشتركة لتعزيزها وتأهيلها من أجل صُنع مستقبل يليق بأبناء المنطقة الخليجية خاصة، ثم بالعرب والعالم على وجه العموم.

ولم تكن جهود القيادة السعودية في هذا المجال بطيئة أو مترددة، بل كانت سريعة ومدروسة تقدِّر بكل حنكة وخبرة وذكاء مآلات كل خطوة تخطوها، وكل قرار تتخذه، وكل عمل تُقدِم عليه، وهذا هو ما اعتاده العالم من المملكة منذ تأسيسها على يدي الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- حتى اللحظة، مروراً ببقية القادة المتتابعين، الذين حافظوا على الإرث السعودي الذي يُنقل من ملك إلى ملك، ومن قائد إلى قائد، وهو إرث التواصل مع العالم، والسعي الجاد نحو تحقيق الأمن والأمان، والسلامة والاستقرار لكل الدول ولكل الشعوب.

وبنظرة سريعة خاطفة إلى ما حققته المملكة العربية السعودية الشقيقة على الصعيد الخارجي خلال الفترة القصيرة الماضية، يتضح جلياً أن السلام أضحى -بكل صدق وموضوعية- صناعة سعودية خالصة، وعلامة بارزة ساطعة تقطع بأن الرياضة جامعة العرب والمسلمين، وموحدة الجهود والطاقات من أجل نبذ الفرقة والاختلاف، والدعوة إلى الوحدة والاصطفاف خلف كل داعٍ إلى السلام والأمان، وإنهاء القطيعة التي كانت تعصف بعلاقات الأشقاء والجيران.

ولكي لا يكون الكلام على عواهنه فليرجع كل منا البصر، ليرى ما قامت به السعودية، وما حققته لدول الجوار من مصالحة وتوافق، ثم ليرجع البصر مرة أخرى، ليتأكد له -بما لا يدع مجالاً لأي شك- أن الرياض -كما قلنا سابقاً- هي صانعة السلام وداعية الأمن والأمان وحاضنة السلامة والاستقرار، لا في منطقة الخليج وحدها، بل على كل الصعد العربية والإقليمية والدولية.

ولعل أبرز وأصدق ما يؤكد ذلك هو استعادة المملكة علاقاتها مع إيران، وتجاوبها وتعاونها في هذا الشأن مع الوساطة العراقية - العمانية، والرعاية الصينية، بقلب مفتوح وبعقل مفتوح، وبرؤية واقعية صادقة تقطع بأن طهران جزء مهم جداً من العالم، وبأن القطيعة معها لا بد أن تنتهي وتزول، تحقيقاً للمصالح العربية وللمصالح الإيرانية على حد سواء.

ولأن الرياض متصالحة مع نفسها، وأمينة على أمتها العربية دائماً، فقد نالت خطوتها نحو التقارب مع طهران رضاً بالغاً عربياً وإسلامياً وإقليمياً، ثقة من كل الدول بأن وضع نهاية للتباعد السعودي - الإيراني سوف ينعكس أمناً واستقراراً ونهضة اقتصادية على جميع دول المنطقة خليجياً وعربياً.

وغير بعيد عن ذلك نجحت الشقيقة الكبرى في إعادة سورية الشقيقة إلى أحضان أمتها العربية، لتحضر لأول مرة منذ ما يزيد على إحدى عشرة سنة قمة الرياض؛ التي من المقرر أن تنعقد غداً الجمعة، وبذلك تكون دمشق قد وضعت إحدى قدميها على طريق الحل السياسي الشامل لأزمتها الداخلية، تمهيداً لرأب الصدع، ورتق الخرق الذي كاد يتسع ويزداد، ويزيد معاناة كل السوريين من كل الاتجاهات.

ومواصلة لطريقها، وقياماً بواجبها نحو أشقائها لم تغب المملكة العربية السعودية عن الأزمة السودانية التي تتقد نيرانها في الخرطوم ويصل لظاها إلى غيرها من المدن، إذ أسهمت بفاعلية في محاولة إنهاء النزاع واستضافت طرفيه في جدة من أجل وقف إطلاق النار، حرصاً على أرواح الأشقاء السودانيين، وسعياً لوصول الإمدادات الغذائية والطبية إليهم، كما كان لها القدح المعلَّى في إجلاء رعايا الدول الشقيقة والصديقة، ووصولهم إلى دولهم في أمان وسلام، ولا تزال جهود المملكة في هذا الشأن متواصلة ومكثفة رغبة منها في أن يعود السودان إلى سابق عهده، وينهي حالة الاحتراب والانقسام التي لن تعود بأي خير لا على الأطراف المتنازعة، ولا على الشعب السوداني الشقيق.

وكما كانت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين حاضرة وفاعلة في سورية والسودان ومع طهران، فإنها لم تنأ بنفسها عن الأزمة اليمنية ولم تتخلَّ عن أشقائها بل سعت إلى إنهاء تلك الأزمة فجمعت الفرقاء، وسعت إلى تقريب وجهات النظر بينهم، حتى تكللت جهودها بالنجاح في إعادة الثقة بينهم من بوابة «تبادل الأسرى» التي ستكون نافذة واسعة يدخل من خلالها ضوء المصالحة الشاملة، وشمس التوافق التي تقضي على جراثيم الفتنة وفيروسات الشقاق قبل أن تتمكن من الجسد اليمني المثخن بالجراح والآلام.

كذلك وحرصاً من الشقيقة الكبرى على تنمية العلاقات العربية- العربية والعمل العربي المشترك، وطَّدت الرياض علاقاتها وطورتها مع الشقيق العراق من خلال الانفتاح الاقتصادي والتجاري ورفعه إلى مستوى غير مسبوق في علاقات البلدين.

أما على الصعيد اللبناني، فالتفاؤل الكبير معقود على جهود المملكة العربية السعودية ودورها المؤثر وعنايتها البالغة ببيروت، ورغبتها الصادقة في أن يعود إلى لبنان سلمه وسلامه، وأن ينعم شعبه بالأمن والاستقرار بعد حل أزماته وإنهاء قضاياه العالقة التي يود كل لبناني، بل وكل عربي أن تذهب إلى غير رجعة، وتمضي بغير أوبة أو بقاء.

وتأسيساً على هذا كله لم يكن غريباً أن تحوز حكومة المملكة العربية السعودية أكبر ثقة شعبية بين نظيراتها في مختلف دول العالم، بفضل سياستها الحكيمة الرصينة الرشيدة التي يقودها بكل براعة واقتدار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله تعالى ورعاه - ومعه ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه.

حفظ الله -تعالى- الشقيقة الكبرى ملكاً وولي عهد، وقيادة وشعباً، من كل مكروه وسوء، وألبسها رداء المهابة وثوب الريادة على مر العصور.